فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي السحت بضم السين والحاء حيث كان، وقرأ ابن عامر ونافع وعاصم وحمزة برفع السين وسكون الحاء على لفظ المصدر من: سحته، ونقل صاحب الكشاف السحت بفتحتين، والسحت بكسر السين وسكون الحاء، وكلها لغات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} كرره تأكيدًا وتفخيمًا، وقد تقدّم. اهـ.

.قال الفخر:

ذكروا في لفظ السحت وجوهًا:
قال الزجاج: أصله من سحته إذا استأصله، قال تعالى: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} [طه: 61] وسميت الرشا التي كانوا يأخذونها بالسحت إما لأن الله تعالى يسحتهم بعذاب، أي يستأصلهم، أو لأنه مسحوت البركة، قال تعالى: {يَمْحَقُ الله الربا} [البقرة: 276] الثاني: قال الليث: إنه حرام يحصل منه العار، وهذا قريب من الوجه الأول لأن مثل هذا الشيء يسحت فضيلة الإنسان ويستأصلها، والثالث: قال الفرّاء: أصل السحت شدة الجوع، يقال رجل مسحوت المعدة إذا كان أكولًا لا يلقى إلا جائعًا أبدًا، فالسحت حرام يحمل عليه شدة الشره كشره من كان مسحوت المعدة، وهذا أيضًا قريب من الأول، لأن من كان شديد الجوع شديد الشره فكأنه يستأصل كل ما يصل إليه من الطعام ويشتهيه.
إذا عرفت هذا فنقول: السحت الرشوة في الحكم ومهر البغي وعسب الفحل وكسب الحجام وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة وحلوان الكاهن والاستئجار في المعصية: روي ذاك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد، وزاد بعضهم، ونقص بعضهم، وأصله يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا يكون فيه بركة، ويكون في حصوله عار بحيث يخفيه صاحبه لا محالة، ومعلوم أن أخذ الرشوة كذلك، فكان سحتًا لا محالة. اهـ.

.قال الثعلبي:

روى أبو عقيل عن الحسن: في قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} قال: تلك الحكام تسمع كذبه وتأكل رشوة.
وعنه في غير هذه الرواية. قال: كان الحاكم منهما إذا أتى أحد برشوته جعلها [بين يديه فينظر إلى صاحبها ويتكلم معه] ويسمع منه ولا ينظر إلى خصمه فيأكل الرشوة ويسمع الكذب، وعنه أيضًا قال: إنما ذلك في الحكم إذا رشوته ليحق لك باطلًا أو يبطل عنك حقًّا فأما أن يعطي الرجل الوالي يخاف ظلمه شيئًا ليدرأ به عن نفسه فلا بأس.
والسحت هو الرشوة في الحكم على قول الحسن. ومقاتل وقتادة والضحّاك والسدّي.
وقال ابن مسعود: هو الرشوة في كل شيء.
قال مسلم بن صبيح: صنع مسروق لرجل في حاجة فأهدى له جارية فغضب غضبًا شديدًا، وقال: لو علمت إنّك تفعل هذا ما كلّمت في حاجتك، ولا أكلم لما بقي من حاجتك، سمعت ابن مسعود يقول: من يشفع شفاعة ليرد بها حقًّا أو ليدفع بها ظلمًا فأهدي له فقيل فهو سحت، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنّا نرى ذلك إلاّ الأخذ على الحكم، قال: الأخذ على الحكم كفر. قال اللّه عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} [المائدة: 44].
وقال أبو حنيفة: إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يُعزل.
وقال عمر وعلي وابن عباس رضي اللّه عنهم: السحت خمسة عشر: الرشوة في الحكم ومهر البغي وحلوان الكاهن، وثمن الكلب والقرد والخمر والخنزير والميتة والدم وعسيب الفحل وأجر النائحة والمغنية والقايدة والساحر وأجر صور التماثيل وهدية الشفاعة.
وعن جعفر بن كيسان قال: سمعت الحسن يقول: إذا كان لك على رجل دين فما أكلت في بيته فهو سحت. وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لعنة اللّه على الراشي والمرتشي».
قال الأخفش: السحت كل كسب لا يحل. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} على التكثير.
والسُّحْت في اللغة أصله الهلاك والشدّة؛ قال الله تعالى: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} [طه: 61].
وقال الفرزدق:
وعَضُّ زمان يا بنَ مَرْوان لم يَدعْ ** من المال إلاّ مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ

كذا الرواية.
أو مُجلَّفُ بالرفع عطفًا على المعنى؛ لأن معنى لم يدع لم يبق.
ويقال للحالق: أَسْحَتَ أي استاصل.
وسُمي المال الحرام سُحْتا لأنه يَسْحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها وقال الفرّاء: أصله كَلَب الجوع، يقال رجل مسحوت المعدة أي أكُول؛ فكأن بالمسترشي وآكل الحرام من الشَّرَه إلى ما يُعطَى مثل الذي بالمسحوت المعدة من النَّهَم.
وقيل: سُمي الحرام سُحْتا لأنه يَسحَت مروءة الإنسان.
قلت: والقول الأوّل أولى؛ لأن بذهاب الدّين تذهب المروءة، ولا مروءة لمن لا دين له.
قال ابن مسعود وغيره: السُّحت الرُّشا.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: رشوة الحاكم من السّحت.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كلّ لحم نبت بالسّحت فالنار أولى به» قالوا: يا رسول الله وما السحت؟ قال: «الرشوة في الحكم» وعن ابن مسعود أيضًا أنه قال: السحت أن يقضي الرجل لأخيه حاجة فيهدي إليه هدية فيقبلها.
وقال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: من السّحت أن يأكل الرجل بجاهه، وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها.
ولا خلاف بين السّلف أَنّ أَخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سُحْت حرام.
وقال أبو حنيفة: إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل، وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك.
قلت: وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله؛ لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه.
والله أعلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: «لعن الله الرّاشي والمرتشي» وعن علي رضي الله عنه أنه قال: السّحت الرّشوة وحلوان الكاهن والاستعجال في القضية وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له: الرشوة حرام في كل شيء؟ فقال: لا؛ إنما يكره من الرّشوة أن تُرشى لتُعطَى ما ليس لك، أو تدفع حقًا قد لزمك؛ فأما أن ترشى لتدفع عن دِينك ودمك ومالك فليس بحرام.
قال أبو الليث السَّمَرْقَنْدي الفقيه: وبهذا نأخذ؛ لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة.
وهذا كما روى عن عبد الله بن مسعود أنه كان بالحبشة فَرَشا دينارين وقال: إنما الإثم على القابض دون الدافع؛ قال المهدوي: ومن جعل كسب الحجام ومن ذكر معه سحتًا فمعناه أنه يَسحَت مروءة آخذه.
قلت: الصحيح في كسب الحجام أنه طيب، ومن أخذ طيبًا لا تسقط مروءته ولا تنحط مرتبته.
وقد روى مالك عن حُميد الطّويل عن أنس أنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخفّفوا عنه من خراجه؛ قال ابن عبدالبر: هذا يدل على أن كسب الحجام طيّب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجعل ثمنًا ولا جُعْلًا ولا عوضًا لشيء من الباطل.
وحديث أنس هذا ناسخ لما حَرَّمه النبي صلى الله عليه وسلم من ثمن الدم، وناسخ لما كرهه من إجارة الحجام.
وروى البخاري وأبو داود عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو كان سُحْتًا لم يعطه.
والسُّحُت والسُّحْت لغتان قرئ بهما؛ قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي بضمتين، والباقون بضم السين وحدها.
وروى العباس ابن الفضل عن خارجة بن مُصْعَب عن نافع {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} بفتح السين وإسكان الحاء وهذا مصدر من سحته؛ يقال: أَسْحت وسَحَت بمعنى واحد.
وقال الزجاج: سَحَته ذهب به قليلًا قليلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{أكالون لِلسُّحْتِ} أي الحرام من سحته إذا استأصلته، وسمي الحرام سحتًا عند الزجاج لأنه يعقب عذاب الاستئصال والبوار، وقال الجبائي: لأنه لا بركة فيه لأهله فيهلك هلاك الاستئصال غالبًا، وقال الخليل: لأن في طريق كسبه عارًا فهو يسحت مروءة الإنسان، والمراد به هنا على المشهور: الرشوة في الحكم، وروي ذلك عن ابن عباس والحسن.
وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم» وأخرج عبد الرزاق عن جابر بن عبد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هدايا الأمراء سحت» وأخرج ابن المنذر عن مسروق قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أرأيت الرشوة في الحكم أمن السحت هي؟ قال: لا ولكن كفر، إنما السحت أن يكون للرجل عند السلطان جاه ومنزلة، ويكون للآخر إلى السلطان حاجة فلا يقضي حاجته حتى يهدي إليه هدية، وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سئل عن السحت فقال: الرشا، فقيل له في الحكم قال: ذاك الكفر، وأخرج البيهقي في «سننه» عن ابن مسعود نحو ذلك، وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ست خصال من السحت: رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله وثمن الكلب وعسب الفحل ومهر البغي وكسب الحجام وحلوان الكاهن»، وعدّ ابن عباس رضي الله تعالى عنه في رواية ابن منصور والبيهقي عنه أشياء أخر.
قيل: ولعظم أمر الرشوة اقتصر عليها من اقتصر، وجاء من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه لعن الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما» ولتفاقم الأمر في هذه الأزمان بالارتشاء صدر الأمر من حضرة مولانا ظل الله تعالى على الخليقة ومجدد نظام رسوم الشريعة والحقيقة السلطان العدلي محمود خان لا زال محاطًا بأمان الله تعالى حيثما كان في السنة الرابعة والخمسين بعد الألف والمائتين بمؤاخذة المرتشي وأخويه على أتم وجه، وحد للهدية حدًا لئلا يتوصل بها إلى الإرتشاء كما يفعله اليوم كثير من الأمراء، فقد أخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون من بعدي ولاة يستحلون الخمر بالنبيذ والنجش بالصدقة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة يقتلون البرىء ليوطئوا العامة يملى لهم فيزدادوا إثمًا». اهـ.